محمد جودة يكتب عن طابا معركة العصر ما بين رجال العلن ورجال الظل
علمتنا دروس التاريخ أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، تلك المقولة الخالدة للرئيس عبد الناصر، والتى ظلت قانون ضمن العقيدة المصرية، خاصة ونحن نتحدث عن العلاقة بيننا وبين العدو الاول للدولة المصرية وهم الصهاينة فى دولة الكيان المحتل المسمى اسرائيل، ولولا ما حدث يوم 6 أكتوبر عام 73 واسترداد مصر كرامة قوتها وانتصراها ما كانت عشرات المعارك التى حدثت بعدها وانتصرت مصر بدون طلقة رصاص واحدة..
وانتهت الحرب الاكثر عزة فى تاريخنا الحديث لتدخل مصر حرب من نوع جديد، لميكن أقل ضراوة عن حرب السلاح، الا وهى حرب الدبلوماسية المصرية العظيمة، والتى قررت أن تسترد باقى الأرض ، لتنتهى واحدة من أعظم معارك الديبلوماسية المصرية رسميا يوم 19 مارس 1989 برفع العلم المصرى على أخر قطعة محتلة من التراب المصرى وهى مدينة طابا العظيمة أجمل بقاع الأرض لتكتمل خريطة سيناء بعزة وفخر ترجمتها قوة وعزة وجرأة الدبلوماسية المصرية..
فى مثل هذا اليوم منذ 35 عام مضت رفرفر النسر المصرى محلقا فى سماء طابا المدينة الاحيرة المحررة، وبدأت معركة الدبلوماسية المصرية في استرداد طابا عقب توقيع معاهده السلام بين مصر وإسرائيل في 1979، والتي نصت على سحب إسرائيل كامل قواتها من شبه جزيرة سيناء في موعد غايته 25 أبريل 1982، وتصاعدت حدة الخلافات بين مصر وإسرائيل بشأن مواقع 14 علامة حدودية، كان أهمها موقع العلامة 91 التي توجد على حدود الشريط الأخير في طابا.
أدعت إسرائيل في ديسمبر 1981، معلومات غير صحيحة عن العلامة 91، في محاولة منها لضم منطقة طابا إلى إقليمها، ومن هنا بدأت الدبلوماسية المصرية في البحث عن حل مقبول يسمح بإنجاز الانسحاب الإسرائيلي في الموعد المحدد، مع البحث عن وسيلة مقبولة لحل الخلافات القائمة حول العلامات المعلقة دون حسم، واستمرت إسرائيل في تزييف الحقائق والتاريخ، ومن هنا قررت مصر ألا تفرط في شبر أرضها، وبعد مفاوضات استمرت كثيرًا دون جدوى، وهو ما دفعها للتحكيم الدولي لاسترداد طابا.
وبناءً عليه طبقت مصر المادة السابعة من معاهدة السلام التي تم تطبيقها مع إسرائيل، والخاصة بأي خلاف حول الحدود، والتي تنص خلاصتها بأن يتم الحل عن طريق المفاوضات، وفى حالة فشلها يتم اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم، وكثيرًا ما رفضت إسرائيل ذلك؛ حتى اضطرت للرضوخ إليه، تم توقيع وثيقة للتحكيم بين مصر وإسرائيل في 11 سبتمبر 1986، وبناءً عليها أحيل النزاع إلى هيئة تحكيم دولية تشكلت من خمسة محكمين.
على مدار 7 سنوات من المفاوضات، قادت الدبلوماسية المصرية حربًا شرسة من أجل استراد آخر كيلو مترًا من أراضي سيناء، ومنذ تشكيل هيئة التحكيم في سبتمبر عام 1986 وحتى 29 سبتمبر 1988، قدمت مصر أسانيد ووثائق تمتد من عام 1274 تؤكد حقها التاريخي في منطقه طابا، كما قدم وثائق تاريخية من المندوب السامي البريطاني إلى وزارة الخارجية المصرية، والمخابرات المصرية يعود تاريخها لعام 1914، هذا بخلاف تقارير مصلحه الحدود في عام 1931.
كما قدمت وزارة الخارجية المصرية 29 خريطة بأحجام مختلفة تثبت الملكية المصرية لطابا، وتمكنت من جمع خرائط ووثائق من الأرشيف المصري والبريطاني والتركي، وقدمت 10 خرائط من الأرشيف الإسرائيلي نفسه، تثبت تبعية طابا للأراضي المصرية..
"معركة العصر" هكذا وصف المؤرخ المصري الراحل يونان لبيب رزق المعركة المثيرة التي خاضتها مصر لاسترداد منطقة طابا في شبه جزيرة سيناء من الاحتلال الإسرائيلي
ورغم أن هذه المنطقة الواقعة على رأس خليج العقبة لا تتجاوز مساحتها كيلومترا مربعا واحدا، فقد اقتحمت أبواب التاريخ وشغلت مكانا بارزا في سجل الصراع المصري الإسرائيلي، وكانت موضع صراع قانوني ودبلوماسي استمر عدة سنوات وانتهى بالتحكيم الدولي لصالح القاهرة..
وهكذا كتبت الدبلوماسية المصرية تاريخ جديد لمعركة استحقت أن توثق بمعركة العصر لتظل شاهدا على قوة المقاتل المصرى ليس على جبهات القتال المعتادة ولكن فى كل مكان فرض عليه القتال حتى ولو كان من مبنى وزارة الخارجية المصرية، فشكرا لرجال العلن ورجال الظل الذين ساهموا فى هذه المعركة العظيمة.